النص الاول:
شيء خطير جدا سيحدث في هذه القرية.
تخيل يا سيدي قرية صغيرة، حيث تقطن سيدة عجوز مع ولديها؛ ابن في السابعة عشرة من عمره و ابنة في الرابعة عشرة. ذات صباح، كانت تقدم لهما وجبة الإفطار و على محياها تبدو سيماء القلق و الانزعاج. تساءل الابنان عما بها، فأجابتهما:
- لا أدري، لكنني استيقظت و عندي هاجس بأن أمرا جللا سوف يحدث في هذه القرية.
ضحك الابنان من أمهما، و قللا من أهمية ما قالت و اعتبرا الأمر هواجس عجوز ليس إلا.
ذهب الفتى ليلعب البليارد، و في اللحظة التي كان يستعد فيها لبدء اللعبة، قال له لاعب آخر:
- لن تربح اللعبة، لذا أراهنك على بيزو.
ضحك الجميع بمن فيهم هو، فسدد الكرة و أخطأ الهدف، فانسحب و أدى البيزو لصاحبه. فتساءل الباقون عن سبب إخفاقه رغم سهولة اللعبة؛ فرد قائلا:
- هذا صحيح، لكني منزعج بما حدثتني به أمي هذا الصباح، قالت بأن شيئا خطيرا جدا سيحصل في القرية.
سخروا منه جميعا، بينما عاد الذي ربح البيزو إلى منزله مزهوا بغنيمته، حيث تقطن أمه مع إحدى قريباته.
قال:
-لقد ربحت هذا البيزو من داماسو دون عناء يذكر، لأنه أبله.
- و لم هو كذلك؟ ردت الأم.
- لم يستطع أن يلعب أسهل لعبة على الإطلاق، فقد ظل منشغلا بما تكهنت به أمه عن مصيبة ستحل بالقرية.
ردت الأم:
- لا تستهزئ بتكهنات العجائز، فأحيانا تصدق تخميناتهن.
سمعت قريبته ما دار بينه و بين الأم من حديث و خرجت لتشتري اللحم. قالت مخاطبة الجزار:
- أريد رطلا من اللحم، و في تلك اللحظة التي كان الجزار يقطع شرائح اللحم، أضافت:
- من الأفضل أن تبيعني رطلين، فهناك إشاعة يتداولونها عن شيء خطير جدا سيحدث في القرية، و من الأفضل أن نستعد من الآن.
عرض الجزار بضاعته، و عندما قدمت سيدة أخرى لتشتري رطلا من اللحم، نصحها قائلا:
- فلتأخذي رطلين، فالناس يتداولون أن شيئا خطيرا سيحدث، وهم يستعدون لذلك و يقتنون ما يكفيهم من مؤن.
حينئذ ردت المرأة:
- اسمع من الأفضل أخذ أربعة أرطال، فلي العديد من الأولاد.
هكذا بيعت الأرطال الأربعة، و حتى لا نطيل الحكاية، أقول نفد كل اللحم في نصف ساعة، فذبح الجزار بقرة أخرى، بيعت بكاملها، و مع ذلك استمرت الإشاعة في التناسل.
حانت لحظة الحسم، فاحتشد كل سكان القرية ينتظرون حدوث شيء مريب.وقد شلت الحركة كليا، وبشكل مفاجئ، ارتفعت درجة الحرارة بشكل اعتيادي، على الساعة الثانية زوالا.
قال أحدهم:
- هل انتبهتم إلى ما يجري، جو قائظ على غير العادة؟
- نعم، لكن طقس هذه القرية حار بشكل دائم.
( حر شديد، ففي هذه القرية لا يعزف موسيقيوها إلا في الظل، و لو فعلوا ذلك تحث أشعة الشمس لتهشمت آلاتهم المصنوعة من القار).
- مع ذلك – قال احدهم- في مثل هذه الساعة لم نشهد حرا كهذا.
- لكنها الساعة الثانية، و فيها يصل الحر ذروته.
- نعم، لكن ليس بالصورة التي عليها الآن.
في تلك القرية المقفرة، و في ساحتها الخالية حط طائر صغير، فتعالى صوت:
- هناك طائر صغير حط في الساحة.
فتقدم الكل ليروا الطائر وأمارات الذعر بادية عليهم.
- لكن يا سادة، ليس أمر الطائر بغريب، فعادة ما تهبط الطيور في الساحة.
- نعم، لكن ليس في مثل هذا الوقت.
للحظة ساد توتر شديد بين سكان القرية، يئسوا جميعهم، فخامرتهم فكرة الرحيل، لكن لا أحد منهم امتلك ما يكفي من الشجاعة ليرحل.
صاح أحدهم:
- أما أنا، فمغامر و سأرحل.
حمل أثاثه و أبناءه و دوابه؛ حشر الكل في عربة و عبر الشارع تاركا الكل ينظر إليه. إلى أن قال احدهم:
- ما دام هذا قد تجرأ على الرحيل، فسنرحل نحن أيضا.
و بدؤوا في إخلاء القرية نهائيا، فحملوا أغراضهم و دوابهم و لم يدعوا فيها شيئا.
آخر أولئك الذين غادروا القرية، أضرم النار في منزله و هو يصيح:
- حتى لا تحل المصيبة على آخر ما تبقى من داري.
فحذا حذوه الآخرون و أحرقوا منازلهم.
فروا في رعب حقيقي، كمن فر من حرب ضروس، و بين ظهرانيهم تسير العجوز صاحبة النبوءة و هي تقول:
- ألم أقل إن شيئا خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية، و اتهموني بالحمق.
- لا أدري، لكنني استيقظت و عندي هاجس بأن أمرا جللا سوف يحدث في هذه القرية.
ضحك الابنان من أمهما، و قللا من أهمية ما قالت و اعتبرا الأمر هواجس عجوز ليس إلا.
ذهب الفتى ليلعب البليارد، و في اللحظة التي كان يستعد فيها لبدء اللعبة، قال له لاعب آخر:
- لن تربح اللعبة، لذا أراهنك على بيزو.
ضحك الجميع بمن فيهم هو، فسدد الكرة و أخطأ الهدف، فانسحب و أدى البيزو لصاحبه. فتساءل الباقون عن سبب إخفاقه رغم سهولة اللعبة؛ فرد قائلا:
- هذا صحيح، لكني منزعج بما حدثتني به أمي هذا الصباح، قالت بأن شيئا خطيرا جدا سيحصل في القرية.
سخروا منه جميعا، بينما عاد الذي ربح البيزو إلى منزله مزهوا بغنيمته، حيث تقطن أمه مع إحدى قريباته.
قال:
-لقد ربحت هذا البيزو من داماسو دون عناء يذكر، لأنه أبله.
- و لم هو كذلك؟ ردت الأم.
- لم يستطع أن يلعب أسهل لعبة على الإطلاق، فقد ظل منشغلا بما تكهنت به أمه عن مصيبة ستحل بالقرية.
ردت الأم:
- لا تستهزئ بتكهنات العجائز، فأحيانا تصدق تخميناتهن.
سمعت قريبته ما دار بينه و بين الأم من حديث و خرجت لتشتري اللحم. قالت مخاطبة الجزار:
- أريد رطلا من اللحم، و في تلك اللحظة التي كان الجزار يقطع شرائح اللحم، أضافت:
- من الأفضل أن تبيعني رطلين، فهناك إشاعة يتداولونها عن شيء خطير جدا سيحدث في القرية، و من الأفضل أن نستعد من الآن.
عرض الجزار بضاعته، و عندما قدمت سيدة أخرى لتشتري رطلا من اللحم، نصحها قائلا:
- فلتأخذي رطلين، فالناس يتداولون أن شيئا خطيرا سيحدث، وهم يستعدون لذلك و يقتنون ما يكفيهم من مؤن.
حينئذ ردت المرأة:
- اسمع من الأفضل أخذ أربعة أرطال، فلي العديد من الأولاد.
هكذا بيعت الأرطال الأربعة، و حتى لا نطيل الحكاية، أقول نفد كل اللحم في نصف ساعة، فذبح الجزار بقرة أخرى، بيعت بكاملها، و مع ذلك استمرت الإشاعة في التناسل.
حانت لحظة الحسم، فاحتشد كل سكان القرية ينتظرون حدوث شيء مريب.وقد شلت الحركة كليا، وبشكل مفاجئ، ارتفعت درجة الحرارة بشكل اعتيادي، على الساعة الثانية زوالا.
قال أحدهم:
- هل انتبهتم إلى ما يجري، جو قائظ على غير العادة؟
- نعم، لكن طقس هذه القرية حار بشكل دائم.
( حر شديد، ففي هذه القرية لا يعزف موسيقيوها إلا في الظل، و لو فعلوا ذلك تحث أشعة الشمس لتهشمت آلاتهم المصنوعة من القار).
- مع ذلك – قال احدهم- في مثل هذه الساعة لم نشهد حرا كهذا.
- لكنها الساعة الثانية، و فيها يصل الحر ذروته.
- نعم، لكن ليس بالصورة التي عليها الآن.
في تلك القرية المقفرة، و في ساحتها الخالية حط طائر صغير، فتعالى صوت:
- هناك طائر صغير حط في الساحة.
فتقدم الكل ليروا الطائر وأمارات الذعر بادية عليهم.
- لكن يا سادة، ليس أمر الطائر بغريب، فعادة ما تهبط الطيور في الساحة.
- نعم، لكن ليس في مثل هذا الوقت.
للحظة ساد توتر شديد بين سكان القرية، يئسوا جميعهم، فخامرتهم فكرة الرحيل، لكن لا أحد منهم امتلك ما يكفي من الشجاعة ليرحل.
صاح أحدهم:
- أما أنا، فمغامر و سأرحل.
حمل أثاثه و أبناءه و دوابه؛ حشر الكل في عربة و عبر الشارع تاركا الكل ينظر إليه. إلى أن قال احدهم:
- ما دام هذا قد تجرأ على الرحيل، فسنرحل نحن أيضا.
و بدؤوا في إخلاء القرية نهائيا، فحملوا أغراضهم و دوابهم و لم يدعوا فيها شيئا.
آخر أولئك الذين غادروا القرية، أضرم النار في منزله و هو يصيح:
- حتى لا تحل المصيبة على آخر ما تبقى من داري.
فحذا حذوه الآخرون و أحرقوا منازلهم.
فروا في رعب حقيقي، كمن فر من حرب ضروس، و بين ظهرانيهم تسير العجوز صاحبة النبوءة و هي تقول:
- ألم أقل إن شيئا خطيرا جدا سيحدث في هذه القرية، و اتهموني بالحمق.
قصة: غابرييل غارثيا ماركيث
تعريب: توفيق البوركي
تعريب: توفيق البوركي
النص الثاني
كنت قد رأيت، على اقل تقدير، سبعة أو ثمانية أشخاص، لا يوحي مظهر أحد منهم بأنه شحاذ، يُدخلون أيديهم في سلة مهملات كانت متبثة إلى عمود إنارة قريب من موقف السيارات حيث اترك سيارتي كل صباح.
كان حدثا تافها، خلف عندي نوعا من البغض، لأنه من الصعب أن تطرد عنك صورة تلك العادة القبيحة خصوصا إذا فكرنا فيما يمكن أن تحويه سلة مهملات من مفاجآت قذرة.
كنت اعتبر وقوعي في ممارسة هذه الرذيلة أمرا غير معقول؛ لكن في تلك الصبيحة، وبعد جدال حاد نشب بيني وبين زوجتي ليلا، بسببه لم يعرف النوم طريقه إلى عيني.
أوقفت سيارتي كالمعتاد وبينما كنت أتقدم باتجاه مكتبي، جذبتني سلة المهملات بشكل عجيب كمغناطيس؛ ودون أن أضع في حسباني إمكانية أن يلمحني احدهم، أدخلت يدي فيها، بنفس العزيمة الخرقاء التي رأيت من سبقوني يقومون بها.
أن أقول بأن حياتي قد تغيرت بهذا الشكل، ربما أكون قد بالغت، لأن الحياة شيء أسمى من المادة ومن الحلول التي نصطنعها لتحمل حياتنا. الحياة، أولا وقبل قل شيء وفي رأيي المتواضع، إحساس بكينونتنا أكثر مما هي تقييم لما نملك.
لكن علي أن اعترف بأن أشياء كثيرة في حياتي قد أخذت منحى آخر.
تحولت إلى رجل موسر، انفصلت عن زوجتي وعقدت قراني على شابة حسناء، واشتريت ضيعة جميلة و يختا، كان بالنسبة لي دائما طموحا يستهويني، لم أتوقف عن هذا الحد فقط، بل أجريت زراعة شعر في أحسن مصحات سويسرا، قاطعا بذلك مع عقدة الصلع الرهيبة التي ورثها عن أيام الشباب.
كانت تذكرة اليانصيب التي كنت قد استخرجتها من سلسلة المهملات متسخة و مدعوكة، كما لو أن احدهم قد تقيئ عليها، لكنني عرفت كيف اضبط نفسي وان أخفي تقززي أمام الثروة التي تنتظرني خلال سحب أعياد الميلاد.
كان حدثا تافها، خلف عندي نوعا من البغض، لأنه من الصعب أن تطرد عنك صورة تلك العادة القبيحة خصوصا إذا فكرنا فيما يمكن أن تحويه سلة مهملات من مفاجآت قذرة.
كنت اعتبر وقوعي في ممارسة هذه الرذيلة أمرا غير معقول؛ لكن في تلك الصبيحة، وبعد جدال حاد نشب بيني وبين زوجتي ليلا، بسببه لم يعرف النوم طريقه إلى عيني.
أوقفت سيارتي كالمعتاد وبينما كنت أتقدم باتجاه مكتبي، جذبتني سلة المهملات بشكل عجيب كمغناطيس؛ ودون أن أضع في حسباني إمكانية أن يلمحني احدهم، أدخلت يدي فيها، بنفس العزيمة الخرقاء التي رأيت من سبقوني يقومون بها.
أن أقول بأن حياتي قد تغيرت بهذا الشكل، ربما أكون قد بالغت، لأن الحياة شيء أسمى من المادة ومن الحلول التي نصطنعها لتحمل حياتنا. الحياة، أولا وقبل قل شيء وفي رأيي المتواضع، إحساس بكينونتنا أكثر مما هي تقييم لما نملك.
لكن علي أن اعترف بأن أشياء كثيرة في حياتي قد أخذت منحى آخر.
تحولت إلى رجل موسر، انفصلت عن زوجتي وعقدت قراني على شابة حسناء، واشتريت ضيعة جميلة و يختا، كان بالنسبة لي دائما طموحا يستهويني، لم أتوقف عن هذا الحد فقط، بل أجريت زراعة شعر في أحسن مصحات سويسرا، قاطعا بذلك مع عقدة الصلع الرهيبة التي ورثها عن أيام الشباب.
كانت تذكرة اليانصيب التي كنت قد استخرجتها من سلسلة المهملات متسخة و مدعوكة، كما لو أن احدهم قد تقيئ عليها، لكنني عرفت كيف اضبط نفسي وان أخفي تقززي أمام الثروة التي تنتظرني خلال سحب أعياد الميلاد.
لويس ماتيو ديث
ترجمة: توفيق البوركي
النص الثالث
ترجمة: توفيق البوركي
النص الثالث
الكنز والخرافة
![]() |
مع بداية القرن الحالي، كان قس لوكومبا (1) هو الدكتور المحترم غالدو، الذي اُستدعي يوما لسماع اعترافات أحد المحتضرين، كان هذا أحد الهنود المعمرين، إذ جاوز المائة سنة، والمعروف باسم ماريانو شوكوماني.
بعد أن تلقى آخر أسرار الكنيسة، قال للقس: أيها الأب المبجل، سأئتمنك على سر، إذ لا ولد لي استودعه إياه. أنا انتسب إلى تيتو أتاوتشي، عمدة موكغوا (2) أيام حكم أتاوالبا(3). عندما قدم الأسبان وقبضوا على الإنكي، الذي أرسل مبعوثا إلى تيتو أتاوتشي آمرا إياه بجمع الذهب لتسديد الفدية. فجمع العمدة النبيل كميات كبيرة من قطع الذهب، وفي الوقت الذي أعد فيه الكنز للتوجه إلى كاخاماركا(4) توصل بنبأ موت أتاوالبا جراء التعذيب.
أخفى تيتو أتاوتشي الذهب في مغارة توجد في أعالي لوكومبا ونام فوق المعدن النفيس ثم انتحر. قبره مغطى برمال دقيقة إلى ما شاء من العلو. فوقه يوجد حاجز من شجر البكاي وأعلاه كميات كبيرة من حصائر القصب وأحجار وتراب وحصاة. بين القصب توجد سلة من ثمار الصفصاف وهيكل ببغاء.
هذا السر تلقيته من أبي الذي تلقاه بدوره عن جدي، أنا، أيها الأب المبجل، ائتمنك على هذا السر، حتى إذا دُمرت كنيسة لوكومبا، اخرج الذهب واصرفه في بناء معبد جديد.
مرت الأعوام وتداول غالدو السر مع خليفته.
في الثامن عشر من أيلول من العام 1833، ضرب زلزال كنيسة لوكومبا، فاعتقد القس الجديد كويتو أن الفرصة قد حانت لاستخراج الكنز، لكن عليه أن يناضل ضد ثبات الهنود، الذين يرون في مثل هذا العمل تدنيسا شنيعا. ومع ذلك اشترك بعض وجهاء الجيران وبادروا إلى العمل، حيث استطاعوا اكتشاف شجر البكاي(5) وحصائر القصب والببغاء. و عند العثور على هيكل الطائر، تمرد الهنود، مجاهرين بقتل البيض الذي تجاسروا على تدنيس قبر العمدة. لم يجدوا طريقة لتهدئتهم فتنازل الجيران عن رهانهم.
في العام 1868 كان في لوكومبا جيل جديد، لكن ليس لهذا السبب خمدت الخرافة بين الهنود.
العقيد دون ماريانو بيو كورنخو، بعد أن كان وزيرا للحرب والبحرية في ليما، انتهى به المطاف إلى الاستقرار بإحدى عقاراته بوادي لوكومبا، و تزعم شركة جديدة لاستخراج الكنز الدفين. عمل بجد ومثابرة، مستخرجا الأحجار والعصي والحصائر وفي النهاية وصل إلى اكتشاف سلة الصفصاف.
يوم أو يومان إضافيان من العمل، والكل معتقدا أشد الاعتقاد بالعثور على الكنز الثمين إلى جانب جثة العمدة. استخرجت السلة، نظر إلى أنها تحتوي جثة حيوان الالبكة(6).
أطلق الهنود صرخة مهولة ورموا الفؤوس والمعاول وانطلقوا يعدون مرهوبين. هناك اعتقاد سائد بينهم بأنه لن تبقى طوبة في منازلهم إذا مست يد بشر مدنسة جثة العمدة. التوسلات والتهديدات والعطايا وقفت عاجزة للتغلب على صلابة الهنود لأيام عديدة. في النهاية حدث أن قام أحد الشركاء باستعمال مورد يقاومه الهنود بصعوبة: العرق.
ما أن يسكروا، حتى يعودوا إلى حمل الأدوات.
بعد ان أُزيلت جميع العوائق ظهرت جثة عمدة لوكومبا.
- انتصرنا؟ صاح المهتمون. لم يتبق إلا تعميق الحفر لبوصات إضافية لكي نرى مُلاٌك قطع الذهب الغالية.
وثب رئيس الخدم فوق الهيكل مريدا بذلك فصله.
في نفس اللحظة، أجبر دوي مشؤوم تحت الأرض الكل إلى الهرب مذعورين. انهارت بيوت لوكومبا وانفتحت تصدعات في الأرض يتدفق منها فوران المياه الآسنة. لم يتحمل الناس الوقوف، والحيوانات تجري مذعورة وتنزلق في الوهاد، في حين غطى انهيار قبر العمدة.
تحقق الاعتقاد الخرافي للهنود:ما أن تُلمس الجثة، حتى يحدث الدمار والخراب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش: 1- لوكومبا : واد يقع في البيرو. 2- موكغوا : مقاطعة ساحلية جنوب البيرو تبلغ مساحتها حوالي 15734 كلم مربع. 3- أتاوالبا : 1500-1533 آخر ملوك إمبراطورية الانكا 1525-1533 واجه الأسبان أثناء غزوهم للإمبراطورية، فتم القبض عليه وإرغامه على دفع فدية مقابل إطلاق سراحه. لكن تواطئه ضد القائد الإسباني فرانسيسكو بيزارو عجل بقتله. 4- كاخاماركا: مدينة بيروفية تقع على نهر يحمل نفس الاسم 5- بكاي : شجرة تنتشر في مناطق أمريكا الجنوبية تنتمي إلى فصيلة المميوزا.
بعد أن تلقى آخر أسرار الكنيسة، قال للقس: أيها الأب المبجل، سأئتمنك على سر، إذ لا ولد لي استودعه إياه. أنا انتسب إلى تيتو أتاوتشي، عمدة موكغوا (2) أيام حكم أتاوالبا(3). عندما قدم الأسبان وقبضوا على الإنكي، الذي أرسل مبعوثا إلى تيتو أتاوتشي آمرا إياه بجمع الذهب لتسديد الفدية. فجمع العمدة النبيل كميات كبيرة من قطع الذهب، وفي الوقت الذي أعد فيه الكنز للتوجه إلى كاخاماركا(4) توصل بنبأ موت أتاوالبا جراء التعذيب.
أخفى تيتو أتاوتشي الذهب في مغارة توجد في أعالي لوكومبا ونام فوق المعدن النفيس ثم انتحر. قبره مغطى برمال دقيقة إلى ما شاء من العلو. فوقه يوجد حاجز من شجر البكاي وأعلاه كميات كبيرة من حصائر القصب وأحجار وتراب وحصاة. بين القصب توجد سلة من ثمار الصفصاف وهيكل ببغاء.
هذا السر تلقيته من أبي الذي تلقاه بدوره عن جدي، أنا، أيها الأب المبجل، ائتمنك على هذا السر، حتى إذا دُمرت كنيسة لوكومبا، اخرج الذهب واصرفه في بناء معبد جديد.
مرت الأعوام وتداول غالدو السر مع خليفته.
في الثامن عشر من أيلول من العام 1833، ضرب زلزال كنيسة لوكومبا، فاعتقد القس الجديد كويتو أن الفرصة قد حانت لاستخراج الكنز، لكن عليه أن يناضل ضد ثبات الهنود، الذين يرون في مثل هذا العمل تدنيسا شنيعا. ومع ذلك اشترك بعض وجهاء الجيران وبادروا إلى العمل، حيث استطاعوا اكتشاف شجر البكاي(5) وحصائر القصب والببغاء. و عند العثور على هيكل الطائر، تمرد الهنود، مجاهرين بقتل البيض الذي تجاسروا على تدنيس قبر العمدة. لم يجدوا طريقة لتهدئتهم فتنازل الجيران عن رهانهم.
في العام 1868 كان في لوكومبا جيل جديد، لكن ليس لهذا السبب خمدت الخرافة بين الهنود.
العقيد دون ماريانو بيو كورنخو، بعد أن كان وزيرا للحرب والبحرية في ليما، انتهى به المطاف إلى الاستقرار بإحدى عقاراته بوادي لوكومبا، و تزعم شركة جديدة لاستخراج الكنز الدفين. عمل بجد ومثابرة، مستخرجا الأحجار والعصي والحصائر وفي النهاية وصل إلى اكتشاف سلة الصفصاف.
يوم أو يومان إضافيان من العمل، والكل معتقدا أشد الاعتقاد بالعثور على الكنز الثمين إلى جانب جثة العمدة. استخرجت السلة، نظر إلى أنها تحتوي جثة حيوان الالبكة(6).
أطلق الهنود صرخة مهولة ورموا الفؤوس والمعاول وانطلقوا يعدون مرهوبين. هناك اعتقاد سائد بينهم بأنه لن تبقى طوبة في منازلهم إذا مست يد بشر مدنسة جثة العمدة. التوسلات والتهديدات والعطايا وقفت عاجزة للتغلب على صلابة الهنود لأيام عديدة. في النهاية حدث أن قام أحد الشركاء باستعمال مورد يقاومه الهنود بصعوبة: العرق.
ما أن يسكروا، حتى يعودوا إلى حمل الأدوات.
بعد ان أُزيلت جميع العوائق ظهرت جثة عمدة لوكومبا.
- انتصرنا؟ صاح المهتمون. لم يتبق إلا تعميق الحفر لبوصات إضافية لكي نرى مُلاٌك قطع الذهب الغالية.
وثب رئيس الخدم فوق الهيكل مريدا بذلك فصله.
في نفس اللحظة، أجبر دوي مشؤوم تحت الأرض الكل إلى الهرب مذعورين. انهارت بيوت لوكومبا وانفتحت تصدعات في الأرض يتدفق منها فوران المياه الآسنة. لم يتحمل الناس الوقوف، والحيوانات تجري مذعورة وتنزلق في الوهاد، في حين غطى انهيار قبر العمدة.
تحقق الاعتقاد الخرافي للهنود:ما أن تُلمس الجثة، حتى يحدث الدمار والخراب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش: 1- لوكومبا : واد يقع في البيرو. 2- موكغوا : مقاطعة ساحلية جنوب البيرو تبلغ مساحتها حوالي 15734 كلم مربع. 3- أتاوالبا : 1500-1533 آخر ملوك إمبراطورية الانكا 1525-1533 واجه الأسبان أثناء غزوهم للإمبراطورية، فتم القبض عليه وإرغامه على دفع فدية مقابل إطلاق سراحه. لكن تواطئه ضد القائد الإسباني فرانسيسكو بيزارو عجل بقتله. 4- كاخاماركا: مدينة بيروفية تقع على نهر يحمل نفس الاسم 5- بكاي : شجرة تنتشر في مناطق أمريكا الجنوبية تنتمي إلى فصيلة المميوزا.
6- الالبكة:حيوان من فصيلة الثدييات المجترة، أصله سلسلة جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية وبالضبط في الإكوادور، الشيلي شمالا، الشمال الشرقي للأرجنتين، جنوب البيرو، وغرب بوليفيا.
القصة للكاتب البيروفي : بالما ريكاردو
ترجمة: توفيق البوركي
النص الرابع
كيف تنهار الدول؟
كان عهد السلطان سليمان القانوني -في رأي معظم المؤرخين- هو العهد الذهبي للدولة العثمانية. فقد اتسعت حدود الدولة وفتحت بلدان وأمصار عديدة في هذا العهد، وعمّ الرخاء والرفاه جميع أنحاء المملكة. ولكن السلطان سليمان كان يعلم من استعراض التاريخ أن كل دولة قوية لا بد أن تضعف وتدبّ فيها عوامل الضعف والانحلال.. إذ لكل أمة أجل.. فهل سيكون هذا هو مصير الدولة العثمانية أيضا؟ أليس هناك من مهرب من هذا المصير؟ بدأت هذه الأسئلة بإشغال فكره عدة أيام يحاول أن يجد لها جوابا.
وعندما طال تفكيره وحيرته قرر طرح هذا السؤال وهذا الموضوع على العالِم المشهور "يحيى أفندي" الذي كان في الوقت نفسه أخاه من الرضاعة. لذا كتب له رسالة ضمّنها سؤاله. كان هذا العالم يقيم في تكية في منطقة "بَشِكتاش" في إسطنبول. كتب إليه يقول بعد الديباجة الاعتيادية: "أنتم ملمون بمعرفة العديد من الأسرار، لذا نرجو منكم أن تتلطفوا علينا وتُعلمونا متى تنهدم الدول؟ وما عاقبة الدولة العثمانية ومصيرها؟"
كان جواب يحيى أفندي جوابا قصيرا ومحيِّرا في الوقت نفسه. قال في جوابه: "ما لي ولهذا أيها السلطان؟ ما لي أنا؟"
تعجب السلطان سليمان من هذا الجواب وتحير. أيوجد في هذا الجواب معنى سرّيّ لم يفهمه؟ ولم يجد حلاًّ سوى الذهاب بنفسه إلى يحيى أفندي في تكيّته. وهناك كرر السؤال نفسه وأضاف في لهجة يشوبها العتاب: "أرجو منك يا أخي أن تجيب على سؤالي وأن تعد الموضوع جديا وخبرني ماذا قصدتَ من جوابك؟"
قال يحيى أفندي: "أيها السلطان! إذا انتشر الظلم في بلد وشاع فيه الفساد وقال كل من سمع وشاهد هذا الظلم والفساد "ما لي ولهذا؟" وانشغل بنفسه فحسب.. وإذا كان الرعاة هم الذين يفترسون الغنم، وسكت من سمع بهذا وعرفه.. وإذا ارتفع صراخ الفقراء والمحتاجين والمساكين وبكاؤهم إلى السماء، ولم يسمعه سوى الشجر والمدر... عند ذاك ستلوح نهاية الدولة. وفي مثل هذه الحال تفرغ خزينة الدولة، وتهتزّ ثقة الشعب واحترامهم للدولة، ويتقلص شعور الطاعة لها، وهكذا يكون الاضمحلال قدَرا مكتوبا على الدولة لا مفر منه أبدا."
النص الرابع
كيف تنهار الدول؟
وعندما طال تفكيره وحيرته قرر طرح هذا السؤال وهذا الموضوع على العالِم المشهور "يحيى أفندي" الذي كان في الوقت نفسه أخاه من الرضاعة. لذا كتب له رسالة ضمّنها سؤاله. كان هذا العالم يقيم في تكية في منطقة "بَشِكتاش" في إسطنبول. كتب إليه يقول بعد الديباجة الاعتيادية: "أنتم ملمون بمعرفة العديد من الأسرار، لذا نرجو منكم أن تتلطفوا علينا وتُعلمونا متى تنهدم الدول؟ وما عاقبة الدولة العثمانية ومصيرها؟"
كان جواب يحيى أفندي جوابا قصيرا ومحيِّرا في الوقت نفسه. قال في جوابه: "ما لي ولهذا أيها السلطان؟ ما لي أنا؟"
تعجب السلطان سليمان من هذا الجواب وتحير. أيوجد في هذا الجواب معنى سرّيّ لم يفهمه؟ ولم يجد حلاًّ سوى الذهاب بنفسه إلى يحيى أفندي في تكيّته. وهناك كرر السؤال نفسه وأضاف في لهجة يشوبها العتاب: "أرجو منك يا أخي أن تجيب على سؤالي وأن تعد الموضوع جديا وخبرني ماذا قصدتَ من جوابك؟"
قال يحيى أفندي: "أيها السلطان! إذا انتشر الظلم في بلد وشاع فيه الفساد وقال كل من سمع وشاهد هذا الظلم والفساد "ما لي ولهذا؟" وانشغل بنفسه فحسب.. وإذا كان الرعاة هم الذين يفترسون الغنم، وسكت من سمع بهذا وعرفه.. وإذا ارتفع صراخ الفقراء والمحتاجين والمساكين وبكاؤهم إلى السماء، ولم يسمعه سوى الشجر والمدر... عند ذاك ستلوح نهاية الدولة. وفي مثل هذه الحال تفرغ خزينة الدولة، وتهتزّ ثقة الشعب واحترامهم للدولة، ويتقلص شعور الطاعة لها، وهكذا يكون الاضمحلال قدَرا مكتوبا على الدولة لا مفر منه أبدا."
أورخان محمد علي
كاتب وباحث تركي.


نصوص رائعة,,,,,,,
ردحذفننتظر جديدكم